تباينت آراء مجموعة من علماء الدين في السعودية حول ماكينة الوضوء الإلكترونية التي تعتزم شركة أسترالية طرحها في الأسواق قريبا بين مؤيد ومعارض.
ويركز العلماء بشكل خاص في استطلاع لصحيفة الاقتصادية السعودية على فكرة قيام مخترع غير مسلم بتقديم اختراع يوفر من إسراف المسلمين للماء أثناء تأدية إحدى العبادات.
وتستعد الشركة الأسترالية المتخصصة في صناعة الآلات الميكانيكية، لطرح منتجها الجديد الذي يستهدف دول العالم الإسلامي، وهو عبارة عن ماكينة للوضوء وتنشيف الأعضاء بشكل آلي، وتوفر الماء المستخدم في بعض الأحيان بشكل خاطئ من المغتسلين.
ويؤكد مخترع الآلة الأسترالي أنتوني جوميز خلال تصريحات صحافية أن الشخص لن يكون في حاجة إلى لمس الصنبور، لأن الماكينة تعمل من خلال الأشعة تحت الحمراء، مشيرا إلى أن الشركة تلقت حتى الآن نحو 600 طلب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لشراء هذه الماكينة، محددا دولا خليجية.
ويبين جوميز أن الماكينة تتكون من ثلاث وحدات، الأولى لغسل الأذن والفم والوجه، والثانية لغسل المرفقين والساعدين، أما الثالثة فغسل الكعبين والقدمين، وأن الشركة ستسعى إلى دمج الوحدات الثلاث معا في نظام واحد مستقبلا، وسيكون هناك خطوط تجميع للآلات في ماليزيا.
ويؤكد جوميز أن كميات الماء التي ستوفرها الآلة كبيرة جدا، إضافة إلى أن الوقت المحدد لعملية الوضوء في الآلة لا يتعدى ثلاث دقائق، وهو ما يرى أن فيه توفيرا للوقت المخصص للوضوء عند المسلمين.
وأضاف جوميز وهو أسترالي من أصل ماليزي: "لن تكون في متناول الأغنياء فقط، ولكن
سنسعى لجعلها متاحة أمام أي شخص بقدر الإمكان"، منوها بأن الماكينة الجديدة
ستعمل من خلال الكمبيوتر.
بداية الفكرة:
وعن كيفية ولادة فكرة اختراع هذه الماكينة يقول جوميز: "وردت هذه الفكرة على خاطري
عندما كنت على متن عبارة لتنقلني من طابا بجنوب سيناء إلى خليج العقبة بالأردن".
ويمضي قائلا:
الأمر بدأ حينما عقد فريق الشركة اتفاقا لإمداد شركة جوية مصرية بأبواب لكبائن القيادة
بالطائرات في طابا ثم قررنا بعدها السفر للعقبة بعدما أدينا مهمتنا، إلا أننا لم نتمكن من
اللحاق بالعبارة السريعة واضطررنا لركوب عبارة بطيئة كانت تحمل وقتها معتمرين مسلمين
يتجهون لمكة لأداء العمرة".
وأضاف جوميز: "لاحظت أن دورات المياه كانت متسخة ومزدحمة للغاية، كما أن العديد من
المتوضئين كانوا يغسلون أرجلهم في أحواض الغسيل ثم يقفون على أرض غير نظيفة".
ويقول جوميز: "بالرغم من أنني غير مسلم فقد شعرت بالحزن الشديد من أجلهم".
ويشير صاحب الفكرة إلى أنه حينما عاد إلى أستراليا قرر أن يبتكر ماكينة وضوء متطورة
تضمن التوفير في الوقت والماء.
وأردف يقول:
"مكة والمدينة غالبا ما تكونان مزدحمتين، وتخيل أن نحو مليوني شخص يتوضئون، إنه أمر
صعب. أما من خلال الابتكار الجديد فيستغرق الوضوء بشكل صحيح وكامل قرابة 3 دقائق".
وأشار جوميز إلى أنه اتصل في البداية بالمجلس الإسلامي في أستراليا قبل أن يمضي
قدما في اختراعه، مضيفا أن "المجلس وافق على الماكينة الجديدة".
آراء يعض العلماء :
ويقول الشيخ عبد الله المنيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، أن العبرة بالغايات المشروعة مهما كانت الوسيلة لتحقيقها، فإذا كانت هذه الآلة المستخدمة للوضوء يتم غسل الأعضاء الأربعة للوضوء الوجه ومنه المضمضة وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح جميع الرأس ومنه الأذنان وغسل الرجلين إلى الكعبين إذا تم ذلك ولوحظ الترتيب والموالاة بين غسل الأعضاء الأول فالأول، فلا يظهر له مانع في استخدامها.
ويشدد المنيع على ضرورة استيفاء شروط وواجبات الوضوء الشرعي في غسل الأعضاء الأربعة المذكورة وترتيبها والموالاة بينها.
ويرى الدكتور محمد السريع أستاذ الدراسات العليا في كلية أصول الدين في الرياض أن الوضوء إذا اكتملت شروطه وأركانه وواجباته فإنه يصح سواء كان الماء المستخدم عن طريق إناء أو صنبور أو آلة إلكترونية أو غير ذلك، والصحيح أنه لا يلزم دلك أعضاء الوضوء باليد وإنما يكفي مرور الماء على أعضاء الوضوء.
ويبين السريع أن استخدام المسلم اليدين في الوضوء في حمل الماء ودلك الأعضاء هو الأفضل والأكمل لأنه أكثر تعبدا واقتداء بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، مع ما فيه من دلك الأعضاء باليد وإمرار الماء، ولكن مما ينبغي التأكد منه مطابقة هذه الماكينة للوضوء الشرعي.
ويقول إن من الأمور التي دعا إليها الشرع ورغب فيها الاقتصاد في استخدام الماء وعدم الإسراف فيه، وأن من المؤسف أن يبحث مخترع غير مسلم لحل مشكلة الإسراف في المياه عند المسلمين، لما رآه من استهلاك كميات كبيرة من المياه عند الوضوء، وللأسف الشديد أن ما يجري من كثير من المسلمين في الإسراف بالمياه مخالف الشرع وللعقل وللمصلحة، فإذا كان في شعيرة من شعائر الدين وهي الوضوء زادت شناعة الإسراف.
ويؤكد السريع أن 90 في المائة من هذه المبادرات والمخترعات لا يمكن أن نحتاج إليه، إذا اهتدينا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقام كل فرد من المجتمع بتربية أبنائه على تعاليم الإسلام لما وصلنا لهذا المستوى، لكي يقوم غير المسلمين بتهذيب سلوكياتنا، مشيراً إلى أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، والمد ملء الكفين المعتدلتين من الماء، منوها أن هذا الدليل أكبر شاهد للاقتصاد في صرف الماء.
ويقول الدكتور عبد الله العمرو عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الإمام أن الشريعة جاءت بتوجيه الاقتصاد في استعمال الماء في الوضوء وعدم الإسراف فيه، وأحسب أن هذه الماكينة يمكن أن تحقق شيئا من ذلك، وتكون سائغة فيما يتعلق بغسل اليدين والقدمين، ولا سيما أنه لا يشترط على الصحيح إمرار اليد على العضو حال الغسل إذا غلب على الظن إسباغ الوضوء واستيعابه سائر العضو المغسول.
ويوضح العمرو أن غسل الوجه فيه نظر لأن غسل الوجه فيه واجبات ومستحبات لا تتحقق من مثل هذه الصيغة في الغسل ومنها الاستنشاق ومنها المضمضة مع تنظيف باطن الفم بالأصابع، كما أن تقسيمات الوجه وطبيعتها قد تحتاج إلى عناية باليد لتحقيق غسله على الوجه المشروع، ومنه ما بين الأذن وما ينحدر من شعر الرأس إلى اللحية.
جوميز الذي يرأس شركة "إيه إيه سي إي ورلد وايد" الأسترالية المصنعة لأجزاء
الطائرات أنه "حتى الآن لم يتم تحديد سعر ثابت للماكينة، غير أن السعر سيكون حتما
في متناول الجميع".
المشاعر الروحانية
وتعليقا على هذا الاختراع يقول الداعية المصري عبد الخالق حسن الشريف إنه لا يرى
خطأ في استخدام هذه الماكينة "طالما أن الأركان والمتطلبات الأساسية للوضوء يتم
تنفيذها على نحو دقيق وصحيح".
غير أن الشريف أشار إلى أن هناك عناصر روحانية يجب مراعاتها من قبل الذين
يستخدمون هذه الوسائل الحديثة، وأن "على المسلمين ألا يسمحوا لأنفسهم بأن
ينشغلوا باستخدام الوسائل الحديثة تاركين المشاعر الروحانية المصاحبة للوضوء".
وأكد الشريف لـ"إسلام أون لاين.نت" أن على المسلمين الذين سيستخدمون هذه
النوعية من الماكينات في الوضوء "ألا ينسوا أنهم يقومون بعمل تعبدي وليس مجرد
روتين يجرى فيه غسل أجزاء من الجسم".
وتابع: "المتوضئ تمحى خطاياه مع تساقط قطرات الوضوء من الأعضاء المغسولة..
يجب مراعاة مثل تلك المشاعر الروحانية ولا يجب تغيبها
صور ماكينة الوضوع الجديدة